الجمعة، 6 سبتمبر 2019

للـصمت آثار جانبية

هكذا هُم يُفكرون عندما نحبهم و لا يبادلونا الشعور و كذلك نُفكر نحن عندما يقدم لنا الحب من لا نكنُ له شئ في المُقابل.

تخيل معي أنكَ ذهبت لتشتري دواءاً مُسكِن تتخلص به من ألم ما شعرت به مؤخراً، وقفت أمام الطبيب الصيدلي و مددت بيدك ورقة الوصف، و في عجلة قُلتَ: "مرحبا، أريد هذا الدواء.. أحتاجه بسُرعة"، عندها لاحظ هو أنك مُتعب و نظر إلى الورقة الممدودة فـ إنتابه الخجل إثر قرأتها، نعم! قد علم أن هذا الدواء يندُر الحصول عليه.. لا يملكه ولا يوجد مَن يدُلكَ إليه بالقُرب، و لكنه تجوّل حول الرفوف كأنما يبحث لَك عنه. و بينما أنت تنتظر و تنتظر و لم يجد هو مخرجاً من إحراجه الغير مُبرر، وقف أمامك باسطاً نظره إليك غير مُدلي بكلمة. إنه قد قرر الصمت!
تعود أنت لتسأله : "أما وجدته أيها الطبيب؟" لكنه بشفقة ينظر فقط لا يُجيب، لا يود أن يُحبطكْ ولا يودٌ أن يقول لك إذهب لن تجده، يريد منك الخروج من هنا و  إكمال البحث عنه آملاً في أن تجده. بِذِهنه لا يفكر ولا يشعُر إلا بكلمتان "أحتاجه بسرعة"، لذا لا يملك أن يقول لك: "لا يوجد" فيجرح إحتياجك المُلعن كَـ مريض و لكن لا بأس إن أغضبك قليلاً كَـ إنسان، في النهاية ستُكمل أنت البحث و لِما تيأس؟
دقيقة تلو الأخرى و هو يلتزم الصمت، تنسى أنت الألم و تذهب مُمتلئ الغضب من هذا الشخص، ليس لأنه لم يُعطيك الدواء الذي يُسكِنكَ.. فأنت لا تعلم حتى أنه غير مُتوفَر، بل لأنه لم يقل شيئاً، لم يُجيبك فيما تبغاه و لم يعتذر حتى إذا لم يكُن بحوذته إياه..  ما كان هذا التصرُف باللّٰه عليه؟
أرأيت كيف هذا المُستفِز عندما أشفق عليك إعتقد أنه يُهوِن ألمك و الإنتظار في حين أنه لا يملك توفير الدواء؟!

لماذا إذا نعتقد دائماً أنه حين ننسحب بهدوء دون قول كلمة على الأقل نُتيح للآخر نسياننا بسهولة  و أننا بذلك خدمناه؟ لماذا عندما لا نستطيع إعطاء الحُب في المقابل نُعطي السكوت دون أن نعتذر؟ لماذا نمضي بعيداً بلا توضيح؟ لماذا نترك بعضنا لسوء الظن ما بين لِما؟ و رُبما.. ؟
من قال أنه حين نتجاهل الذي يحبنا جداً بحُجة أنّا لا نستطيع رؤيته مذلول الشعور إتجاهنا لن نكسره؟ هم الذين يُذلهم الحب و نحن الذين لن نتحمل رؤية المشهد فقط؟ تخيل!

إن المسافة المُبهمة التي نترُكها لبعضنا قد تَحجب التعبير عن الحب لكنها لا تُلغيه، لا توجد مسافة تُسكِت شئ من الحنين ولا تعني المسافة شيئاً للمحبين، تخلق الحدود بيننا لأنه في مُفترق الطُرق يتولى العقل القيادة.. أما الذي بِـ قلوبنا لا يَمسَسه ضرر، إن لم يَزِد.

بالفعل لا نستطيع أن نختار بِمَن نُغرم لكن نستطيع إختيار متى نبتعد؛ و بهذا يظُل المُحب يصاحبه حبه كالألم الذي لا مُسكِن له و يظُل الآخر يُسئ إستخدام رفاهية الإختيار عندما يبتعد.

فَــ لكل من لم يفهم مثلي لماذا أبعدونا و أبعدناهم عنا بلا كلام و لماذا الإختفاء دون سابق إنذار، لِـ كُل مَن تذوق و أذاق بالصمت ألماً خلف وراءه حُب لم يكتمل؛ لا عجب أنـه و أننـي و أنكم جميعاً.. لأجل أن ننسحب إلتزمنا الصمت في الزمن الخاطئ كَـ خَيار، و كان بوسعنا الإعتذار.

أطلق صراح مَنْ لن تستطيع مُبادلته الحُب، أخبره.. فَـفي النهاية؛ نحن نُقدر الذي يُخبرنا الحقيقة أكثر، أو مَنْ يودعنا لِـ سببٍ على الأقل.